علم الفلك وأبواب التنجيم
الفرق والربط
بقلم
حسين أحمد سليم
استقراء النجوم... منذ كان... من قديم الزمان... ما قبل الميلاد... وربما مع الإنسان الأول... بدأ تاريخه... وما حملته إلينا... أسفار الماضي... تشير إلى أن... الألف الرابع قبل الميلاد... هو تاريخ بدء استقراء النجوم... مع السومريين... عندما دخلوا أرض العراق... حملوا معهم هذا الفن...
في البدء... اختلطت الأمور كثيراً ... وبشكل قوي جداً... ما بين الفلك كعلم... واستقراء النجوم كفن... حيث أن فكرة الطالع الفلكي... ظهرت أول ما ظهرت... في الألفي سنة قبل الميلاد... وربما في شرائع نيبور... هذا وتفيد الدراسات التاريخية... إضافة لما ذكرته الأديان... أن استقراء النجوم ساد... قبل الألف سنة تقريباً من عصر النبي إبراهيم عليه السلام...
في بلاد فارس... عند الحدود الشمالية... حيث المدنية... مركز السومريين... هناك كان استقراء النجوم... في ذلك العهد القديم... يستخدم فقط من وجهة حضارية... ويستعمل فقط لدراسة مستقبل الشعوب والأمم...
إلى الشمال من بلاد السومرية... كانت بابل... كانت موجودة... قبل الميلاد... ربما5000 أو 5500 سنة... التفت البابليون إلى السماء... فهالهم انتظام الشمس والقمر والنجوم والكواكب... ورصدوا هذا الإنتظام لأمد بعيد... بحيث كان مصدر الجمال والروعة لبني البشر على وجه الأرض... وهذا ما دفع أهل بلاد ما بين النهرين... لأن يكتشفوا قوائم النجوم وتشكيلاتها... وكان ذلك الإكتشاف في سنة 1800 قبل الميلاد... واستطاع البابليون من خلال الكوكبات والنجوم التكهن بحصول حوادث فلكية كثيرة... كخسوف القمر وطلوع وغروب البروج... وحركات بعض الكواكب...
دخلت فكرة التنجيم إلى اليونان... بواسطة " كليوسترات " و"تيندوس "... وهي فكرة البابليين بالطالع الفلكي... وكان استقراء النجوم في ذلك الزمن... مرتعاً خاصاً بالملوك... وقد حذا حذو البابليين... شعوب قديمة عديدة... كالمصريين والأشوريين والصينيين والهنود واليونانيين والرومان... فرصدوا السماء بدورهم... وكانت النتائج عند تلك الشعوب متشابهة... فاحتفظوا بما رصدوه كوثائق مفصّـلة للأحداث الفلكية...
وظهر الطالع... الذي كان له التأثير الكبير... وحتى تاريخه، على الطالع الفلكي المعروف لدينا... وقد صدرت تقاويم كثيرة لدى الشعوب الماضية... بها انتظمت أعمالهم السنوية... ومنذ ذلك الحين... أي ما قبل الميلاد تقريباً ... ساد الإعتقاد بأن النجوم تؤثر في الحوادث الأرضية... وهذا ما أدى وبسرعة كبرى... إلى فكرة الإعتماد على الحوادث بالحوادث... فكان والأمر كذلك... لا بدّ من أن ينتج عن علم الفلك... فن التنجيم...
منذ قدم الحضارات... ومنذ أن بدأ الإنسان يتعامل مع الأرض... يبذر الحبوب... يزرع ... يحصد... يبني المسكن... يستقر... عوضاً عن الإنتقال... وبديلاً عن الإرتحال... منذ ذلك الزمن... بدأ يدرس الكواكب والأجرام والنجوم... بدأ يدرس الظروف الجوية التي تؤثر في الفصول... وبدأ يربط بين الفضاء والأرض... بين السماء وما فيها... والأرض مع ما عليها... وهكذا ربما بدأ علم الفلك... وبدأ فن التنجيم... والعلم الأول الصحيح... والذي على أساسه بدأ الإنسان دراسة السماء... والتبحر في علم الفلك... منذ ذلك الوقت... وضعت المعالم الأولية... وتركزت الأسس الثابتة... لآفاق علم الفلك العام... والتي تنحدر منه دراسات علم الفلك الحديث...
في زمن ما... بعدما وجد الطالع الفلكي... وساد في الأوساط... الإعتقاد بمدى تأثير الكواكب والنجوم... في حياة الأحياء على الأرض... سارع... إذ ذلك... الملوك والحكام... إلى استقطاب المنجّـمين... بصفة رسمية... إلى مقراتهم وبلاطهم... للوقوف على تحركات النجوم وسيرها... والركون إليهم واستشارتهم... في الشؤون المصيرية... وفي شؤون دولهم... وفي شؤون شعوبهم... وما لبث أن اهتم الناس بالنجوم... وراقب عامة الشعب الكواكب... على نحو مماثل... لاستقراء مستقبلهم... ومعرفة حظهم في الحياة... وبالتالي رسم آفاقهم... وبلورة ما يحاكي طموحاتهم...
الطالع الفلكي... وثيقة مكتوبة...في أرض الكنانة... وجدها الفلكي اليوناني الشهير... ويعود تاريخياً... إلى السنة العاشرة من قبل المسيح... وعلى ما يظهر... هو للملك " انطيوكوس الأول" ...
هذا... ولقد ساهم اليونانيون... بالاشتراك مع العالمين " تاليس" و " بتاغورس "... باكتشافاتهم للنظريات الرياضية... التي ساهمت بشكل مباشر... في تقدم علم الفلك.. وبالتالي تطوير فن استقراء النجوم...
من جهة أخرى... فإن استقراء القدماء... ساهموا إلى حدٍ بعيدٍ... في البحوث العلمية والفلكية... وفي المجال التطبيقي لتلك العلوم... على أوسع نطاق... وأشمل ما يمكن... لتحديث التجارب المتعلقة بفن التنجيم...
البابليون في معتقداتهم التي كانت سائدة في ذلك الزمن... كانوا يعتبرون أن النجوم... هي مساكن آلهتهم... كما أن الهياكل الأرضية... وهذا ما أفرز عبر ذلك الوقت... مفهوم تجميع النجوم في كوكبات معيّـنة... وفي بروج مختلفة...
وكان الإعتقاد السائد آنذاك... أن الإضطرابات في عمق الفضاء... من مظاهرالكون الفلكية... كالخسوف والكسوف... وظهور المذنبات والشهب... وسطوع النجوم... وخلاف ذلك من العواصف... كانت تلك المظاهر... تفسر بالإطار السلبي... بحيث تفسيراتها الفلكية... عند العاملين في استقراء النجوم... تنذر بحدوث الحروب... وحصول المآسي فوق سطح الأرض...
إلى هنا... فقد أكد الكثير من المؤرخين... وعدد وفير من العلماء... أن الكثيرين من المنجمين... في الزمن الماضي... عادوا إلى العرّافين القدامى... تسهيلاً لمهماتهم في استقراء النجوم...
وفي الماضي... وجد فن استقراء النجوم... إقبالاً كبيراً... من الحكام... ومن عامة الشعب... في كافة المجتمعات... وغالبية الحضارات... سيما في زمن القرون الوسطى...
من جهة أخرى... وبالعودة إلى ما ورد عن القديس " متى "... وهو أحد رسل السيد المسيح... بأن المجوس... وهم منجمون من المشرق ؟ّ!... أتوا إلى الطفل يسوع... وقت ولادته... وعرفوا به... أنه نبياً... من خلال مراقبتهم الفلكية لحركات الكواكب والنجوم... وفي اعتقاد بعض العلماء القدماء... أن أولئك المجوس العرّافون... ربما كانوا من مدرسة التنجيم الكلدانية... وربما كانوا من المدرسة المادية الفارسية في ذلك العصر...
هذا وقد خضع فن التنجيم عبر التاريخ... لتجاذبات فكرية كثيرة... ولاعتقادات متعددة... وكان هناك الواثق بهذا الفن ونتائجه... وكان هناك الرافض له جملة وتفصيلاً... بحيث ساد التناقض... في الكثير من الأماكن... وحدثت البلبلات المتعددة... فيما كان البعض من الحكام يستعينون بالمنجمين... في كافة شؤون حكمهم...
والعرب... هم الذين أنقذوا فن استقراء النجوم... وحافظوا عليه في عهود... كان الغرب... والمجتمعات الأخرى... يرزحون فيها... ويئنون... تحت وطأة الغزوات والحروب...
وبالغوص في وصفات " ابن سينا " نجد أنه كان يشرك في فنه الطبي... الوصفات الفلكية...
وكان الطبيب " باراسلس " الفلكي... يحضر وصفاته الطبية... بوضعها تحت التأثير الفلكي... وهذا ما دعا لإطلاق التسمية " بطريك الطب الطلسمي " عليه... في ذلك الزمن...
أما المؤلفات الفلكية القديمة... فكانت تعطي الكواكب التاثيرات على الحياة في الأرض كهرومغناطيسياً... وقد ربط العلماء تاثيرات المظاهر الفلكية... بالحوادث التي تتعرض لها الحياة على الأرض...
هذا وقد تطور فن استقراء النجوم... عبر مراحل تاريخية كثيرة... على أيدي اليونانيين... وبالوصول إلى القرنين الرابع عشر والخامس عشر... فقد حظي التنجيم بقبول واسع... في المجتمعات الغربية... بحيث علم في الجامعات... كفرع من علم الفلك... وكان ينظر إلى المنجمين كعلماء...
فن استقراء النجوم... ما زال علماً حياً... رغم ما داخله من تشويهات... ومن خرافات... ومن أساطير... إن هذا العلم الفني... فن استقراء النجوم... الذي بدأه البابليون... وقام بتطويره اليونانيون... وتوسع به العرب كثيراً... لا يزال... يتمتع بالنفوذ العالمي الواسع... ولا يزال سائداً في كافة المجتمعات... شرقاً وغرباً... ولا يزال البعض من الحكام حتى اليوم... يحتفظون بمنجمين لهم... كمستشارين فوريين... يرشدونهم في شتى الأمور المصيرية...
ولقد برز عبر التاريخ... الكثير من المنجمين... واشتهرت توقعات كثيرة... كان لها الأثر البالغ... في إقبال الكثيرين على الإهتمام... بهذا العلم الخطر والفن المميز...
وتسود العالم اليوم، موجة عارمة، سيما الوطن العربي ولبنان، من العاملين في هذا المجال " استقراء النجوم " ... ومن المهتمين بهذا الفن... سواء على صعيد عام أو خاص... أو على صعيد إعلامي بكافة الوسائل من قراءات الأبراج والطوالع، ومن توقعات وتحليلات شتى.